كتب محمود حسن أن المصريين استقبلوا فوز منتخبهم على إثيوبيا بهدفين دون رد في تصفيات كأس العالم بمزيج من الحسرة أكثر من الفرح، بعدما أدركوا حجم خسائرهم في سباق المياه مع أديس أبابا. الصحفي المصري علي القماش لخّص ذلك بمرارة على فيسبوك قائلاً: "غلبناهم كورة، وغلبونا مية".

يؤكد تقرير ميدل إيست مونيتور أن يوم 9 سبتمبر شكّل حدثاً استثنائياً لمصر يتعلق بأمنها المائي مع الافتتاح الرسمي لسد النهضة الكبير بعد نحو 15 عاماً من الخلافات والمفاوضات، وهو ما مثّل نقطة تحول تاريخية لصالح إثيوبيا التي وضعت القاهرة والخرطوم أمام الأمر الواقع.

ظهر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أمام السد في مقطع مصوَّر وصف فيه اكتمال المشروع بأنه "إنجاز تاريخي"، مضيفاً في مقابلات إعلامية أن المشروع سلمي ولن يسبب أضراراً، بل سيجلب فوائد اقتصادية واسعة، ودعا مصر والسودان للتعاون على أساس المنفعة المشتركة.
وفي الوقت نفسه أطلق رسائل أكثر صرامة؛ إذ أكد وزير المياه والطاقة الإثيوبي أن البناء اكتمل متسائلاً: "ما الذي بقي للتفاوض؟". كما أنشأت الحكومة قوة شرطة بحرية جديدة لحماية السد، فيما شددت القوات الجوية الإثيوبية الرقابة عليه مستخدمة أنظمة دفاع جوي متطورة.

في المقابل، أصدر وزراء خارجية وموارد مصر والسودان بياناً مشتركاً اعتبروا فيه أن السد ينتهك القانون الدولي ويهدد الأمن المائي لدول المصب، مؤكدين حقوق مصر (55.5 مليار متر مكعب) والسودان (18.5 مليار).
غير أن وثيقة مسربة كشفت اختراقاً في الموقف المشترك بعد اتفاق الخرطوم مع أديس أبابا على آلية تنسيق وتبادل بيانات بشأن تشغيل السد، تلزم إثيوبيا بإطلاق حد أدنى من المياه نحو السودان خلال موسم الفيضان.

هذه الخطوة عكست تراجعاً عن مطلب القاهرة باتفاق شامل وملزم يضمن حصتها التاريخية وفق اتفاقية 1959.

تزيد الحرب الأهلية في السودان من مأزق مصر، إذ أضعفت قدرة الخرطوم على دعم الموقف المصري، فيما يرى خبراء أن قدرة إثيوبيا على التحكم في تدفق المياه تمنحها ورقة استراتيجية خطيرة، قد تتسبب في فيضانات مدمرة أو جفاف قاسٍ.
تقارير متشائمة تشير إلى احتمال انخفاض حصة مصر بين 2 و3 مليارات متر مكعب سنوياً في سنوات الجفاف، ما يهدد ملايين الأفدنة الزراعية ويزيد معدلات الفقر.

رداً على ذلك، يتحرك الجانب المصري لتعويض عجزه المائي السنوي (54 مليار متر مكعب) عبر تحديث أنظمة الري وإنتاج 10 ملايين متر مكعب يومياً من المياه المحلاة خلال خمس سنوات، مقارنة بـ1.4 مليون حالياً، مع خطط لرفع القدرة إلى 30 مليون متر مكعب يومياً على المدى الطويل.

لكن بعد أكثر من 13 عاماً من المفاوضات الفاشلة، وجدت القاهرة نفسها أمام دعوة إثيوبية لحضور حفل افتتاح السد.
ويرى معارضون أن توقيع زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي على إعلان المبادئ عام 2015 منح إثيوبيا شرعية قانونية للمضي في البناء والتشغيل.

وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتراجع النفوذ الإقليمي، والعلاقة المتوترة مع الولايات المتحدة التي تربط أي تدخل بقبول مصر توطين سكان غزة، تتضاءل خيارات القاهرة.

الخيارات العسكرية معقّدة ومكلفة بسبب بُعد المسافة وخسارة السودان كحليف محتمل، فضلاً عن مخاطر كارثية إذا انهار السد.

لذلك يطرح باحثون مثل محمد محمود بدائل أخرى، من بينها تعزيز النفوذ المصري في القرن الأفريقي عبر تحالفات مع الصومال وإريتريا ودول حوض النيل، أو تدويل القضية واللجوء إلى التحكيم الدولي، أو القبول بوساطات خليجية ودولية تضمن ترتيبات لتشغيل السد، خصوصاً في مواسم الجفاف.

ويبقى خيار أخير أقل احتمالاً، لكنه مطروح في حسابات المصالح: التخلي عن سياسة العصا والاكتفاء بسياسة الجزرة عبر البحث عن تنسيق كامل أو جزئي مع إثيوبيا يخفف المخاطر المائية المستقبلية.

https://www.middleeastmonitor.com/20250909-a-red-card-from-ethiopia-to-egypt/